كتبت كاتي بيست أن القادة كثيرًا ما يواجهون لحظات حاسمة تتطلب دعمًا عاجلًا، لكنهم لا يجدون مدربًا تنفيذيًا متاحًا في الوقت المناسب. تروي الكاتبة قصة “سيمون”، وهو مدير جديد في شركة استشارات، وجد نفسه وسط أزمة بعد ركود السوق، وقد وعدته شركته بتوفير تدريب قيادي، لكنها ألغت التمويل في اللحظة التي ازدادت فيها التحديات. كان مطالبًا بإعداد استراتيجية مبيعات جديدة، وتحفيز فريق محبط مهدد بفقدان وظائفه، وإدارة الأزمة وحده في أكثر الأوقات حساسية.
تشير هارفارد بيزنس ريفيو إلى أن هذا المشهد يتكرر كثيرًا في عالم القيادة الحديثة، حيث تتسارع التغيرات وتتضاعف التوقعات، بينما تتأخر نظم الدعم أو تُلغى لأسباب مالية أو إدارية. حتى المؤسسات التي تملك الموارد تتردد في تقديم المساعدة، إذ يخشى المديرون أن يُنظر إليهم كعاجزين إن طلبوها. في هذا السياق، تظهر الحاجة إلى مهارة “التدريب الذاتي” كأداة تسمح للقادة بدعم أنفسهم حين يغيب الدعم الخارجي، خصوصًا في اللحظات ذات المخاطر العالية والضغوط المتزايدة.
قدّمت الكاتبة إطارًا عمليًا لذلك أطلقت عليه “نموذج SOLVE”، وهو منهج قائم على البحث والخبرة الميدانية يساعد القادة على مواجهة المشكلات المعقدة بخطوات منظمة ومرنة في الوقت نفسه. يتكوّن النموذج من خمس مراحل: تحديد المشكلة، وفهمها بعمق، ووضع الحل، وتنفيذه، ثم استخلاص الدروس.
في المرحلة الأولى (S: تحديد المشكلة)، على القائد أن يصف جوهر الأزمة في جملة أو جملتين فقط، لأن وضوح المشكلة يُسهّل إيجاد حلول دقيقة. الهدف هو الانتقال من الإحساس بالتشتت إلى التركيز. فبدل أن يقول المدير “أنا أفشل في القيادة”، يمكنه أن يحدد بدقة: “أتجنب مواجهة عضو فريق متميز لكنه يسبب توترًا عامًا في الفريق.” وضوح الجملة يصنع نصف الحل.
في المرحلة الثانية (O: فتح الصندوق)، يجري القائد عملية تشخيص دقيقة للمشكلة. يجمع البيانات، يراجع الأداء، يتأمل أنماط السلوك، ويستمع لتغذية راجعة من زملائه. إحدى المديرات اكتشفت في هذه الخطوة أن تراجع أداء فريقها لا يعود إلى الكسل، بل إلى تضارب التعليمات من رؤسائها المختلفين، مما شل قدرتهم على اتخاذ القرار.
في المرحلة الثالثة (L: وضع الحل)، يضع القائد خطة متكاملة تراعي خصوصية السياق التنظيمي والثقافي. لا وجود لوصفة جاهزة. إحدى القيادات في مؤسسة صحية أرادت فرض نظام تواصل رسمي لحل ضعف التعاون، لكنها أدركت بعد التحليل أن بيئة العمل ترفض البيروقراطية. بدلًا من ذلك، شاركت ممثلين من كل فريق في وضع مبادئ بسيطة للتعاون، فحققت التزامًا أوسع ونتائج أفضل.
في المرحلة الرابعة (V: الانطلاق)، يبدأ التنفيذ الفعلي، مع مراقبة تأثير القرارات وتعديل المسار عند الحاجة. تحذر الكاتبة من “التحيز للثقة الزائدة” الذي يجعل القادة يظنون أن التنفيذ سيكون أسهل مما هو عليه. تحكي عن شركة استشارات صغيرة صممت نظامًا موحدًا للعملاء، لكنها فوجئت بمقاومة شديدة من الموظفين. بعد المراجعة، قررت إشراكهم في تصميم النظام الجديد، فتحول المشروع إلى نجاح مهني كبير، وساعد لاحقًا في بيع الشركة إلى مؤسسة أكبر بقيمة مرتفعة.
في المرحلة الأخيرة (E: الارتقاء بالتعلم)، يجري القائد مراجعة شاملة لتجربته. يسأل نفسه: ما الذي نجح ولماذا؟ ما الذي فشل وما الذي يمكن تطويره؟ كيف يمكن تحويل التجربة إلى معرفة تُفيد الآخرين؟ أحد القادة الذين طبّقوا النموذج لاحظ أنه استمتع بتيسير الحوارات أكثر مما ظن، فالتحق بدورة في مهارات التيسير، ثم استخدم خبرته الجديدة في مشروع إصلاح مؤسسي معقّد، مما زاد من قدرته القيادية وأثره داخل شركته.
تؤكد كاتي بيست أن نموذج SOLVE يمنح القادة توازنًا بين النظام والمرونة. لا يحتاج إلى بيئة مثالية أو دعم خارجي، بل يمكن تطبيقه في خضم الأزمات وفي الحياة اليومية. فالقائد القادر على تدريب نفسه لا يصبح أكثر صلابة فحسب، بل أكثر وعيًا، وأعمق فهمًا للتعقيدات البشرية التي تحكم المنظمات الحديثة.
في عالم سريع التحوّل حيث المساندة قد تتأخر أو تغيب، يتحوّل التدريب الذاتي من مهارة إضافية إلى ضرورة وجودية. القائد الذي يتقنها لا ينجو فقط من العواصف، بل يصنع منها دروسًا تُبنى عليها مراحل نضجه المهني القادمة.
https://hbr.org/2025/09/how-to-coach-yourself-through-complex-problems?ab=HP-hero-for-you-2

